ذكر الامام موفق الدين ابن قدامة رحمه الله في كتاب التوابين :
ان الأصمعي قال :
أقبلت ذات يوم من المسجد الجامع بالبصرة . فبينما أنا في بعض سككها ، إذ طلع أعرابي جلف على قعود له متقلد سيفه وبيده قوس ، فدنا وسلم وقال لي : ممن الرجل ؟
قلت : من بني الأصمع
قال الأصمعي ؟
قلت : نعم .
قال : ومن أين أقبلت ؟
قلت : من موضع يتلى فيه كلام الرحمن .
قال : وللرحمن كلام يتلوه الآدميون ،
قلت : نعم .
قال : اتل علي شيئا منه .
فقلت له : انزل عن قعودك .
فنزل ، وابتدأت بسورة الذاريات ، فلما انتهيت إلى
قوله تعالى :
(وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)
قال : يا أصمعي هذا كلام الرحمن ؟
قلت : أي والذي بعث محمدا با لحق إنه لكلامه أنزله على
نبيه محمد صلى الله عليه وسلم.
فقال لي : حسبك .
ثم قام إلى ناقته فنحرها وقطعها بجلدها ، وقال : أعني على تفريقها .
ففرقناها على من أقبل و أدبر ، ثم عمد إلى سيفه وقوسه فكسرهما وجعلهما تحت الرحل .
وولى مدبرا نحو البادية وهو يقول :
(وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)
فأقبلت على نفسي باللوم ، وقلت : لم تنتبه لما انتبه له الأعرابي .
فلما حججت مع الرشيد دخلت مكة ، فبينما أنا أطوف بالكعبة ،
إذ هتف بي هاتف بصوت دقيق ، فالتفت فإذا أنا بالأعرابي نحيلا مصفارا فسلم علي وأخذ بيدي ، وأجلسني من وراء المقام ،
وقال لي : اتل كلام الرحمن ، فأخذت في سورة (الذاريات ) فلما انتهيت إلى قوله
(وَفِي السَّمَاء رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ)
صاح الأعرابي : وجدنا ما وعدنا ربنا حقا .
ثم قال : وهل غير هذا ؟
قلت : نعم ، يقول الله عز وجل :
(فَوَرَبِّ السَّمَاء وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِّثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنطِقُونَ )
فصاح الأعرابي وقال :
يا سبحان الله من الذي أغضب الجليل حتى حلف ؟
ألم يصدقوه حتى ألجؤه إلى اليمين ؟
قالها ثلاثا ، وخرجت فيها روحه