سبب ذكر الله للجبال في كتابه.
لقد خلق الله جل وعلا الجبال في غاية العظمة والدقة، وجعلها رواسي للأرض أن تميد ببني آدم.
وقد ذكر المولى سبحانه في كتابه كيف ينهي هذه الجبال الرواسي بقدرته وقوته، فكيف الحال بالإنسان الضعيف، وفوق هذا يتكبر ويتعالى على أوامر ربه سبحانه، وهذه الجبال لو أنزل عليها شيء من آيات الكتاب لتصدعت فرقا ووجلا من مولاها، والإنسان قد وقع له ذلك وهو ساه لاه.
فبادئ ذي بدء نقول: استقر في أذهان العقلاء أن الجبال ترمز إلى الأشياء العظيمة الثابتة، التي يصعب تغييرها، فلهذا قلما أراد أحد أن يتحدث عن مجد أو أن يذكر أمرا سامقا شامخا يفخر به إلا وشبهه قريبا من الجبال،
يقول الله جل وعلا في هذه الآية المباركة من سورة طه: {ويسألونك عن الجبال} [طه:105]، لما استقر في الأذهان -كما قلت- أن الجبال رمز عظيم، كان بدهيا أن أولئك المنكرين للبعث الناسين للنشور الذين يرتابون في قيام الساعة يتساءلون عن أمور كثيرة حولهم، فانصرفت أذهانهم وأبصارهم إلى هذه الجبال التي يشاهدونها قائمة، ففزعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم -من باب المكابرة- يسألونه عنها، فحكى الله جل وعلا ذلك السؤال بقوله: {ويسألونك عن الجبال} [طه:105] فكان الجواب القرآني والرد الإلهي: {فقل ينسفها ربي نسفا} [طه:105]، فما استقر في أذهانكم من ذلك العلو، فإنه سيصبح هباء منثورا.
لكن ذلك النسف إنما هو مرحلة، وإلا فذكر الله جل وعلا مراحل أخر تسبق نسف الجبال، فمنها: ما في قوله تبارك وتعالى: {وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب صنع الله الذي أتقن كل شيء} [النمل:88]، وقوله جل وعلا: {يوم تكون السماء كالمهل * وتكون الجبال كالعهن} [المعارج:8 - 9]، فهذه مرحلة أخرى حتى تصل إلى مرحلة الاندكاك الكلي.