من وجوه إعجاز القران (الروعة التي تلحق قلوب سامعيه وأسماعهم عند سماعه) ، والهيبة التي تعتريهم عند تلاوته لقوة حاله وإبانة خطره، وهي على المكذبين به أعظم حتى كانوايستثقلون سماعه، ويزيدهم نفورا، كما قال تعالى، ويودون انقطاعه لكراهتهم له، ولذا قال عليه السلام: إن القرآن صعب مستصعب على من كرهه وهو الحكم.
وأما المؤمن فلا تزال روعته به وهيبته إياه مع تلاوته توليه انجذابا، وتكسبه
هشاشة لميل قلبه إليه، وتصديقه به، قال تعالى: .(تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم)
وقال تعالى: (لو أنزلنا هذا القرآن على جبل) .
ويدل على هذا شيء خص به أنه يعتريه من لا يفهم معانيه، ولا يعلم
تفاسيره، كما روي عن نصراني أنه مر بقارئ فوقف يبكي، فقيل له: مم
بكيت، قال: للشجاعة والنظم.
وهذه الروعة قد اعترف بها جماعة قبل الإسلام وبعده، فمنهم من أسلم لها
لأول وهلة وآمن به، ومنهم من كفر، فحكي في الصحيح عن جبير بن مطعم، قال: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ في المغرب: والطور ... )
فلما بلغ هذه الآية: (أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون) ...
إلى قوله: (المصيطرون) .
كاد قلبي أن يطير.
وفي رواية: وذلك أول ما دخل الإيمان قلبي.
وعن عتبة بن ربيعة، أنه علم النبي - صلى الله عليه وسلم - فيما جاء به من خلاف قومه، فتلا عليهم. (حم فصلت) ...
إلى قوله: (صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود) .
فأمسك عتبة بيده على في النبي - صلى الله عليه وسلم -، وناشده الرحم أن يكف.
وفي رواية: فجعل النبي - صلى الله عليه وسلم - يقرأ وعتبة مصغ ملق يديه خلف ظهره معتمدا عليهما حتى انتهى إلى السجدة، فسجد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وقام عتبة لا يدري بما يراجعه، ورجع إلى أهله، ولم يخرج إلى قومه حتى أتوه فاعتذر لهم، وقال: لقد كلمني بكلام والله ما سمعت أذناي بمثله قط، فما دريت ما أقول له.
وقد حكي عن غير واحد ممن رام معارضته أنه أعترته روعة وهيبة كف بها
عن ذلك.
فروي أن ابن المقفع طلب ذلك ورامه، وشرع فيه، فمر بصبي يقرأ:
(وقيل يا أرض ابلعي ماءك) .
فرجع ومحا ما عمل، وقال: أشهد أن هذا لا يعارض، وما هو من كلام البشر.
وكان أفصح أهل وقته.
وكان يحيى بن حكيم الغزال بليغ الأندلس في زمنه، فحكي أنه رام شيئا من
هذا، فنظر في سورة الإخلاص، ليحذو على مثالها وينسج - بزعمه - على منوالها، قال: فاعترتني خشية ورقة حملتني على التوبة والأوبة.
وحكي عن بعضهم أنه كان إذا أخذ المصحف بيده يغشى عليه من هيبته.
*******