يقول الحق جلَّ وعلا: {وَأَوْحَى رَبُّك إلَى النَّحْلِ أنِ اتَّخذي مِنَ الجِبال بُيوتاً ومِنَ الشَّجر وممَّا يَعْرِشون} (النحل: 68).
بيّنا في مقالٍ سابقٍ معنى الوحي وممن يصدر ولمن يكون. وفي هذا العدد نُلقي الضوء على معنى الآية الكريمة المذكورة؛ فالحق تبارك وتعالى يقرر فيها أنه أَمَرَ النحل بأن يعيش في الجبال أولاً ثم في الشجر ثم في الأعراش التي يقيمها الإنسان. ويبين لنا هذا التتابع المقصود التاريخ العلمي لحياة النحل على الأرض، وهو ما وصل إليه العلم أخيراً بعد دراساتٍ كثيرةٍ ومشاهدات؛ إذ أن هناك بعض أنواع النحل ما زالت تسكن الجبال ولم تغادرها، والبعض الآخر يعيش في الأشجار ولم ينزل عنها، والبعض الثالث يعيش في بيوتٍ يهيئها له الناس.
وقد اعترف العلم وأقرّ العلماء بأن النحل يُقيم بيوته بوحي يُلقى إليه وبإلهامٍ يتم له، إذ النحلات تعملن ولا تدرين ما تعملن، وتُنتجن ولا تدرين ما تنتجن، فهنّ «مبرمجات» من قِبَل خالقهن.
يقول أحد علماء النحل «موريس مترلينك»: «وتعمل الطبيعة عملها فتًُوحي إلى النحل ببناء مسكنه على أساسٍ مكينٍ تتجلى فيه روعة الفن وجمال الذَّوق وإبداع الهندسة».
ولا شك أنّ «الطبيعة» التي يتحدث عنها إنما يُقصد منها ذِكر خالقها وهو الله سبحانه، وكذلك كل مَن يتحدث عنها؛ ففي وجدانه الحق جل وعلا. وقد نتسائل - لِمَ خاطب المولى جلّت قدرته النحل بصيغة المؤنث في قوله: اتخذي؟ والإجابة: هذا إعجازٌ علميٌّ؛ إذ يشير إلى أن مجتمع النحل - في جوهره- إنما هو مجتمع إنـــــــاث: ملكــــة فحسب، وشغّالات، وكلهن إناث، ولا محل فيه إلا لبضعة ذكور!
وهو مجتمع «اشتراكي» عجيبٌ على رأسه ملكة تملك وتحكم وتأمر فتُطاع، بل إنها تُطاع قبل أن تأمر، وفيه الشغّالات عاملات، وفيـه الذكـــور قلّـــة وهم مساكين أذِلّة!
وينشىء النحل أنواعاً أربعة من الغُرف، وكل غرفة من تلكم الغرف بمثابة أنبوب مسدَّس الأضلاع على قاعدة هرمية. يقول العلماء: لا يوجد سوى أشكال ثلاثة فقط ممكنة للغرف تجعلها متساوية كلها ومتشابكة دون أن تكون هناك فراغاتٍٍ مفقودة هي: المثلث متساوي الأضلاع، والمربع، والمسدَّس المنتظم، والأخير أصلحها من حيث الدقة والمتانة والراحة، كما أنه يجعل أرض الغرفة مؤلفة من أسطح ثلاثة تلتقي في نقطة، ومن ثم يحقق الاقتصاد في كل من المادة والجهد؛ وهكذا يبدو النحل وكأنه عالِمٌ بهندسة الفراغ!!