همساتٌ ...
إنَّ تعليمَ الناسِ الخيرَ من أعظم القرُباتِ إلى اللهِ؛ فإنَّ معلِّم الناس الخيرَ يستغفرُ لهُ كلُّ شيءٍ، حتَّى النملة في جُحرِها، وحتَّى الحوتُ في البحر؛ كما ثبت بذلك الحديث الشريف عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّه قال: ((إنَّ الله وملائكتَه وأهل السَّموات والأَرَضين، حتى النَّملة في جُحرها، وحتَّى الحوت - لَيُصلُّون على مُعلِّم الناس الخيرَ)).
الهمسةُ الأولى:
أيُّها المُباركُه، يا مَن أعانها الله واختارَها لِتنالَ شرفَ تعليم كِتابه، لن أسوقَ لكَ الفضائلَ والجوائزَ المترتِّبةِ على ما تقومُي به؛ فأنتَ - ربَّما - أعلمُ بها منِّي، وإن كانتِ الذِّكرى تنفعُ عبادَ الله المؤمنين، فأنت من الموصوفون بالخيريَّة على لِسانِ أزْكى البشريَّة - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((خَيرُكم مَن تعلَّم القرآنَ وعلَّمه)).
ولأنك أَوْلى من يُعظِّمُ القرآنَ تعظيمًا، ويُجلُّه، ويُمجِّده، ويُوقِّره قولاً وفِعْلاً، وتسعى لغرْسِه في قلوب الناس غرسًا.
ولأنَّك ممن نذروا أنفسهم، وجنَّدوا طاقاتِهم وأموالَهم، وبذلوا أرواحَهم وأوقاتَهم لتعليم كتابِ الله - تعالى - وتثبيته في قلوب الناس وواقعهم.
إلاَّ أنَّني أدعوكَ لمزيدٍ من الاستمرار، معَ تجديدِ النيَّة، واللجوءِ إلى الله، وسؤاله العونَ والتوفيقَ والدَّوام، واعلمي أنَّ للإخلاص والتوفيق مراتبَ، فاحْرص على أعلاها وأسماها.
الهمسةُ الثانية:
أيُّتها العزيزة، إنَّ التربيةَ بالسُّلوكِ والحال أبلغُ من التربية بالوَعْظ والمقال، والمعلِّمُ قدوةٌ لطُلاَّبه، شاءَ ذلكَ أم أَبَى، فلا تغِب هذه المسألةُ عن بالِك، واحْرِصي على أن تكونَ قُدوةً صالحةً طيِّبة، ومجالاتُ القدوةِ كثيرةٌ، وبابُها واسع؛ لكن باختصار: احرِصي على ألاَّ يَرى منكَ طُالباتك ما يَشينُ أو يَعيب، وفَّقكَ الله لكلِّ خير.
الهمسةُ الثالثة:
إنَّ إحساس المشرف أو القائم على حَلْقات التَّحفيظ بالمسؤوليَّة التربويَّة والشرعيَّة التي يقومُ بها - يجعلهُ ذلكَ يحرِصَ على بَذْل الكثير المُفيد في سبيلِ تربية طُلاَّبه وتوجيههم، وتحصينهم من مُضلاَّت فِتنِ العصر، ما ظَهَر منها وما بَطَن.
الهمسةُ الرابعة:
إنَّ تعليمَ القرآنِ ليسَ مقتصرًا على سَرْدِه وتلاوته فقط، دونَ السَّعي إلى تدبُّره وتأمُّل معانيه، والعمل بأحكامه، فقد امتلأتْ بلادُ المسلمينَ - بحمد الله - بكثيرٍ من حافظي القرآن وقارئيه، ولكن، أينَ العاملون بما فيه؟ المُمتثلون لأوامره ونواهيه؟ فَدَورُكَ - يا مُعلمة القران - أن تُخرِجَي للأمَّة اناس جَمَعوا بينَ الحِفظ والتطبيق، والدِّراسةِ والامتثال، والعِلم والعمل.
الهمسةُ الخامسة:
إنَّ انجذابَ الطالبات لكَ هو من أسبابِ النَّجاح في مشوارِكَ معهم، فبِه تستطيعُين التأثيرَ عليهن، والنُّصْح السَّديد لهن، ولا يكونُ ذلك إلاَّ بالتودُّد والتحبُّب والتبسُّطِ معهن، واكتسابِ ما يَحسُنُ اكتسابُه من مهاراتٍ متميِّزة، أو طرقٍ متنوِّعةٍ ناجحة في التربية والتوجيه، وذلكَ يكونُ إمَّا: بالقراءةِ تارةً، أو بالاستفادةِ ممَّن سبقوا في هذا المجال مِن أصحاب الخبرة والتَّجرِبة تارةً أخرى، معَ الالْتجاء إلى الله - تعالى - بطلب ذلك.
الهمسةُ السادسة:
يَنبغي لمعلمة الحلْقة أن تضعَ خطَّةً مكتوبة، واضحةَ الأهداف، بحيثُ تكونُ بمثابة المنهجِ لهُا أثناءَ سَيْرِها، وليكن لكَ نظرٌ فيها بينَ فترةٍ وأخرى، مع تعديلٍ يسيرٍ عليها لِمَا تَجِدُه من ملاحظات وأخطاء تُصادفُكَ أثناءَ تعليمك، مع مُحاسبةِ نَفسِكَ في نهاية الفصل، أو نهاية العامِ، بما حَصَل مِن خللٍ أو تقصير.
الهمسةُ السابعة:"خاصة بمعلميّ صغار السن":
ينبغي ألاَّ يُغلَّبَ جانبُ الترفيهِ واللَّعِب على جانبِ التربيةِ الجادَّة الصحيحة، فمِنَ المعلمات مَن تقولُ: بأنَّني أكسبُ طالباتي وأحافظُ عليهم بإقامة برامجِ اللَّعب والترفيه، حتَّى تغلبَ هذه البرامج على الهَدف الأسمى الذي أُقيمت الحلْقةُ من أجله، وهو حِفظُ القرآن، فيَمضي العامُ والعامان، والطالبات لم يحفظن سوى شيءٍ يسيرٍ من كتاب الله، وهذا واقعٌ مشاهَدٌ ومعَ الأسف، فكانتِ النتيجةُ أنْ خرج لنا جيلاً هشًّا، بلا مبدأٍ ولا هدف.
الهمسةُ الثامنة:
الاستمرارَ الاستمرار، وعدم اليأسِ أو الفتور؛ فإنَّ هذا الطَّريق ليسَ بالصَّعب العسير، ولا بالسَّهلِ اليسير، هوَ طرفٌ بينَ هذا وذاك، يحتاجُ إلى بَذْلٍ وتضحية، وصبرٍ ومُصابرة، معَ الاعتمادِ على الله، والالْتجاء إليه، وإيَّاكَ وفتورَ العزيمة؛ فعن عبدالله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((لكلِّ عاملٍ شِرَّة، ولكلِّ شِرَّة فترة؛ فمَن كانت فترتُه إلى سُنَّتي، فقد أفلح، ومَن كانت إلى غير ذلك، فقد هَلَك)).
أسألُ الله - عزَّ وجلَّ - أن يُوفِّقني وإيَّاكَ لِمَا يحبُّ ويرضى، وأن يُكلِّلَ جهودَكَ بالتوفيقِ والنَّجاح، وأن يكتبَ لكَ أجرَ كلِّ حرفٍ علَّمتَه، وأن يجعلكَ مُباركًة أينما كنت.
وبالله التوفيق، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه، ومَن تَبعهم بإحسان.