في ذكر الجدل والحُجَّة
اعلم أن الله سبحانه ذكر لفظة الجدل وما تصرف منها في كتابه العزيز في تسعة وعشرين موضعاً - ولفظه الحجة وما تصرف منها في سبعة وعشرين موضعاً ولفظة السلطان أيضاً في ثلاثةٍ وثلاثين موضعاً الجميع المراد به الحجةُ سوى موضعٍ واحدٍ في الحاقة: (هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانْيَةْ) وقيل: المراد به الحجة، فأما الجدل فهو مذمومٌ في كل موضعٍ ذكر إلا في ثلاثة مواضع: " أحدها ": في النحلِ: (ادعُ إلى سبيلِ ربٍّكَ بالحكمةِ والموعظةِ الحسنةِ وجادِلْهم بالتي هَي أحسن) . "
الموضعُ الثاني ": في العنكبوتِ: (ولا تُجادِلُوا أهلَ الكتابِ إلاَّ بالتي هَي أحسنُ) . " الموضعُ الثالث " ُ: في المجادلةِ: (قَدْ سمِعَ اللهُ قولَ الّتي تجادلكَ في زَوْجِها) ، وهذه المرأةُ هي خولةُ بنتُ ثعلبةَ الأنصارية، كانت تحتَ زوجِها أوسِ بنِ الصامتِ والقصةُ مشهورةُ. فأما قوله سبحانه: (وَجَادِلْهُمْ بالتي هيَ أحسنُ) فيحتمل أن يكون المرادُ بالأحسن الأظهر من الأدلة. ويحتمل التعجيز عن الإتيان بمثل القرآن، لأنه أحسن الأدلة نظاماً وبياناً وأكملها حسناً وإحساناً وأرجحها من الثواب ميزاناً وأوضحها على اختلاف مدلولاتها كشفاً وبرهاناً. ويحتمل الإصغاءُ إلى شُبههم والرفق بهم في حلها ودحضها. ويحتمل بترك الغلظة عليهم في حال جدالهم لتكون عليهم الحجة أظهر والجحد منهم أنكد وهي سنة الأنبياءِ عليهم السلام، مع الأمم عند الدعوة.