بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسولالله، وبعد
فلن يثبت أمر الدنيا على حال، وكثيرمن الناس يصاب بالهم والحزن، وهناك أسباب للهم والحزن في الحياة منها كثرة الذنوب،والابتلاء في الحياة، وعلى الإنسان أن يصبر، وأن يستعين بالدعاء والابتهال للهتعالى، وعليه أن يتفاءل، ويأخذ الأمور ببساطة ويسر
يقول الشيخالدكتور عبد الكريم الخضير أستاذ الحديث وعلومه بجامعة الإمام محمد بن سعودبالسعودية
حياتنا الدنيا على اسمها "دنيا" لا يثبت فيها حال الإنسان بليتقلب فيها بين ما يحبه وما يكرهه، والعاقل إذا تأمل فيها وجد أنه محتاج لأن ينظرإليها نظرة المتفائل، ويقضي علىالهم والحزن الذيطالما كدر صفوه ومزاجه، والذي يُريد به الشيطان أن يُحزن المسلم
إن التقوقع على النفس باحتضان الآلام والآهات أكبر مرتع للشيطان،وأخصب مكان لتكاثر هذه المنغصات، وإن التطلع للحياة السعيدة والنظر لجوانب الفألفيها لمن دواعي الأنس والارتياح، ومن المعلوم أن هذه الدنيا مزيج من الراحة والنصب،والفرحة والحزن، والأمل والألم، فلماذا يُغلِّب الإنسان جانبها القاتم على جانبهاالمشرق المتألق؟
ومن المعقول أنه لو لم يغلب المرءجانب التفاؤل والاستبشار فلا أقل من أن ينظر إليها بعدل واتزان
وضيق الصدر وحياة الضنك لا تستولي على فكرالإنسان وتحيط به من غير أسباب أخرى تدعو إليها بل هي مؤشر على وجود خلل في العلاقةبين العبد وربه، فبقدر ما يكون الإنسان مقبلاً على الله بقدر ما يفيض عليه منالأُنس والراحة ما لا يعلمه إلا الله. وهذا ما أفصح عنه القرآن الكريم. قال اللهتعالى: "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى" وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهمبأحسن ما كانوا يعملون". (النحل
وأما الشعور بالضيق والكدرفإنه يحمل تنبيهاً للعبد ليقوم بالتفتيش في علاقته بربه، فإن للذنوب والمعاصي أثراًعلى العبد في ضيق صدره وشتات أمره
وقد يكون ابتلاء العبدبالمصائب والنكبات مما يقدره الله عليه من أجل رفع درجاته إن قام بما أمره اللهتجاهها من الصبر والرضا بما قدر الله، فإن كل ما يقدره الله على المؤمن خير له فيدينه ودنياه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: "عَجَبًا لأَمْرِ الْمُؤْمِنِ إِنَّأَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لأَحَدٍ إِلا لِلْمُؤْمِنِ إِنْأَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُصَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ" رواه مسلم
وإذا أُصيب المؤمن بمصيبة فهو إما أنيصبر أو يجزع فإن صبر ظفر بالأجر العظيم وارتاح لقضاء الله وقدره لأنه لما علم أنهمن عند الله اطمأن لذلك وسلّم، فلا داعي للجزع والضجر
وعلى العكس من ذلك لو لم يصبر فإنهمع ما يصيبه من الإثم بالجزع والتسخط، وما يكتنفه منالهم والغم يفوتهالأجر الذي أعده الله للصابرين. قال الله تعالى:"إنما يوفى الصابرون أجرهم بغيرحساب" (الزمر
وصدق التوجه إلى الله بالدعاء، والتضرع لهسبحانه كفيل بأن يزيل الوساوس، وعلى العبد أن يكثر من الاستعاذة من الشيطان الرجيمفإنه يغيظه أن يرى العبد المؤمن في دعة وطمأنينة، فيوسوس له ليصرفه عن ذلك ويلبسهلباس الخوف والتوجس
ولقد علمنا النبي صلىالله عليه وسلم دعاء ندعو به يدفعالهم والحزن. روىأحمد عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليهوسلم: "مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلا حَزَنٌ فَقَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّيعَبْدُكَ، وَابْنُ عَبْدِكَ، وَابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّحُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَبِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِيكِتَابِكَ، أَوْ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَالْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي،إِلا أَذْهَبَ اللَّهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَجًافَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَلا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: بَلَى، يَنْبَغِيلِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا". (صححه الألباني في السلسلة الصحيحة
وعلى هذا الشاب أن يحاول أن يغير شيئاًمن رتابة يومه فيفتح على نفسه من أنواع المباحات التي تبدد الفتور وتجدد النشاط،ولا بأس أن يسافر للنزهة والاستجمام من غير إسراف، وأفضل من ذلك أن يسافر لأداءالعمرة وزيارة المسجد النبوي، لأنَ تغيير واقع الحياة المستمر يفيد في هذا كثيراً
وعليه أيضاً أن يبتعد عن الأماكن التي يشعربأنها تثير فيه كوامنالهم والغم وتجددفيه الأحزان، كما أن عليه اجتناب قراءة الكتب التي تحمل طابع المأساوية، ويحاول ألايجالس أصحاب الهموم ولو بغرض المواساة، وعلى العكس من ذلك يحاول قراءة الكتبالمفيدة التي تبعده عن الهموم، كما أن عليه إذا شعر بالضيق والحزن ألاّ يجنح إلىالصمت والتفكير والبحث عن الانفراد